في وطني الكبير هناك الكثير من الاشكاليات التي ﻻبد أن يطلع عليها السادة الوزراء عن قرب حتى يحسوا بألم المشكلة وعمق القضية وحتى يكون هناك حل جذري لكل هذه المشاكل من أعلى الهرم اﻹداري ولن يحل المشكلة تلك التقارير التي تثني على كل شيء وتمجد أي عمل .. مع أن كل اﻷعمال قد ينتابها خطأ أو تقصير أو إهمال .
وﻷن الزيارات المفاجئة لكل الوزارات هو من صميم عمل السادة الوزراء حتى يتضح لهم مكمن الخطأ أو التقصير كان لزاما عليهم العمل بهذه الزيارات واﻹطﻻع عن كثب عن كل مناحي العمل في شتى فروع وزارتهم وإحالة كل مقصر للتحقيق والمسائلة .
بيد أن تفكيري يقف عاجزا عن تلك الزيارات المفاجئة التي تحاط بجيش من الإعلاميين في معية الوزير يتناقلون من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ويحيطون بسعادته إحاطة السوار بالمعصم ويثنون على أي عمل يرونه ويتناقلون أخبار الزيارات المفاجئة مع غيرهم حتى يكون الوضع الذي سيرونه يرضي سعادة الوزير وجيش اﻹعﻻميين .
أتذكر قصة يرويها الكبار عن وزير الصحة باﻹنابة الذي عقد العزم للحضور إلى مدينتنا للإطﻻع عن كثب عن الوضع الحقيقي للمنشأت الصحية بعيدا عن التقارير التي تمجد كل عمل ، وحينما وصلت الطائرة إلى المطار كان حشد من الإعلاميين في انتظاره ، حينها قفل راجعا إلى الرياض وألغى الزيارة .
كان سر نجاح هذا الوزير هو أنه لم يثق بكل هذا الكم الكبير من التقارير التي تملئ مكتبه ، كان ﻻبد أن يرى بعينيه كل شيء مثلما يحدث للمواطن البسيط ، كان يزور المستشفيات أخر الليل مدعيا اﻷلم حتى يرى بأم عينيه كيف تقدم الخدمة للمواطن الذي هو في حاجة لها ، وليس كما تثني التقارير على كل شيء بالجملة المعتادة " كل شيء تمام طال عمرك " .
سر نجاح الدكتور القصيبي ومحبة الناس لعمله هو أنه لم يكن يحتاج لجيش عرمرم من الاعلاميين الذي يحيطون به في كل زيارة ، كان يحب أن يرى كل شيء أمامه مهما كان سلبيا أو إيجابيا ، لم يكن يستمد معلوماته من التقارير التي كانت تكتب له ليقرأها ، كان أول تقرير وأخر تقرير هو ما ترآه عينيه وليس ما يكتبه البعض له .
وكم كنت أتمنى أن يتعلم السادة الوزراء من تجربة الدكتور القصيبي اﻹدارية ومن الكم الكبير من كتبه ومقالاته وبالأخص كتابه الشهير " حياة في اﻹدارة " الذي أجزم بأنه لو تم عمل اختبار دوري للسادة وزراء الوزارات الخدمية لكانت النتيجة " لم ينجح أحد " !!!
عبدالرحمن الجوني